رياض بن مهدي رئيس جمعية شامة للثقافة والتراث لـ"الحوار"

المساهمات : 21 تاريخ التسجيل : 17/04/2013

الركود الثقافي والعزلة التي تعيشها مدينة زمورة كان سببا في هجرة أبنائها

حاورته: حنان حملاوي

مجموعة شباب من أبناء مدينة زمورة التي تبعد حوالي ثلاثين كلم عن برج بوعريريج، عاصمة ولاية البرج، اجتمعوا تحت غطاء جمعية شامة للثقافة والتراث التي يترئسها رياض بن مهدي من اجل فك العزلة عن منطقة زمورة التي فرضتها عليها الجهات المسؤولة والطبيعة الجغرافية للمنطقة

وفي هذا يحدثنا رياض بالمهدي عن واقع المدينة وجمعية شامة التي جاءت لتنفض الغبار عنها .

تعاني مدينة زمورة الواقعة بولاية برج بوعريريج الكثير من التهميش خاصة الثقافي منه، ولفك العزلة الثقافية عنها قمت بتأسيس جمعية حدثنا كيف جاءتك الفكرة ؟

الجمعية شامة للثقافة والتراث: هي جمعية ذات طابع ثقافي، يشترك المؤسسون والمنخرطون في تسخير معارفهم ووسائلهم بصفة تطوعية ولغرض غير مربح من أجل ترقية نشاطها وتشجيعه في إطار الصالح العام دون مخالفة الثوابت والقيم الوطنية ودون المساس بالنظام العام والآداب وأحكام القوانين والتنظيمات المعمول بها.

أطلقنا عليها اسم شامة، وهو اسم امرأة فاضلة "شامة بوفجي" المعروفة لدى عامة الناس ببرج زمورة بـ "شامة بنت بوفجي" أو "النا شامة" تقديرا لها.. وهي امرأة مناضلة ومجاهدة وزوجة شهيد، ترعرعت بالعاصمة، وكان لها رفقة والدها وأختها خضراء شرف تأسيس أول مدرسة لتعليم اللغة العربية في الجزائر، بحي القصبة، وهي مدرسة سرية في بيت والدها، حيث تعلمت على يديها بطلات كثيرات ومجاهدات وشهيدات.. وهي تنحدر من بلدة زمورة.

وماذا عن المشهد الثقافي في هذه المدينة؟

في الحقيقة، بلدة زمورة التي تقع شمالي برج بوعريريج، تعاني ركودا حادا ثقافيا وتنمويا، وهذا أثر كثيرا في شباب المنطقة ككل، ناهيك عن العزلة الكبيرة التي تعرفها المنطقة، وكان تأثيرها عميقا وسببا مباشرا في هجرة الكثير من العائلات صوب المدن القريبة. وانطلاقا من هذا الواقع "المخزي" كان الدافع لتأسيس جمعية شامة للثقافة والتراث، رغبة من شباب زمورة في إحياء تاريخ وتراث منطقة "زمورة الكبرى" التي ما فتئت تخرّج الآلاف من حفظة القرآن الكريم، كما كانت منارة للعلم وقبلة للعلماء.

هل يؤمن أعضاء الجمعية بان الثقافة تساهم في التمنية .يعني هل من شان نشاط الجمعية أن يعيد لزمورة وجهها المشرق؟

زمورة عرفت قبل قرون وحتى عقود بأنها مركز للعلم ومنارة الشرق الجزائري، كما انها تصنف خلال الحقبة العثمانية ضمن الصحون (الصحن كان يعني المدينة أو الحضر)، حيث اشتهرت بكثرة علمائها، في الفقه والنحو والفلك.. كما لها رصيد ثري خلّفه توافد الرومان ثم الأتراك على المنطقة، ومازال حتى الآن كثير من العائلات من أصول تركية تعيش بالمنطقة. فجمعية شامة تسعى لنفض الغبار عن هذا الإرث، وتجسيده في متحف غني بالمخطوطات والمصاحف القديمة، وكتب النحو والفقه. كما نسعى من خلال تأسيس "شامة" إلى لفت انتباه القائمين على شؤون الثقافة والتراث محليا ووطنيا إلى ضرورة الاهتمام بتراث المنطقة، خاصة وأن بها الكثير من المواقع الأثرية الرومانية، التي تعرضت للتخريب والنهب طيلة العقود الماضية. وبكل موضوعية نرى أن منقطة زمورة جديرة بالاهتمام، ونحن سنناضل لأن يكون تراثها في خدمة شباب المنطقة، ونكون بذلك قد ساهمنا في تنمية زمورة من باب السياحة التراثية إن صح التعبير.

وما هي أهم النشاطات التي قمتم بها إلى حد الآن لفك العزلة عن المنطقة ؟

حصلنا على الاعتماد منذ أسابيع قليلة جدا، وقد سطّرنا أهدافا طموحة تخدم كامل المنطقة، غير أن الأولوية الآن باتفاق كامل أعضاء المكتب هي لتنظيم وهيكلة الجمعية، حتى تنطلق على أسس متينة، لأن جمعية شامة لم تولد لتموت في المهد، بل لتعمّر طويلا إن شاء الله.. أما عن النشاطات الثقافية، فلن نكون بمنأى عنها، ولكن هدفنا أن تكون نشاطاتنا نوعية يستفيد منها الجميع.. ثم إننا عموما سنركز على العمل الميداني، بجمع تراثنا القديم، من مصاحف دوّنت بالمنقطة من طرف رجال ونساء زمورة، والمخطوطات، ووسائل العمل القديمة... إلخ...

وماذا عن أهداف الجمعية ؟

قسمنا أهداف الجمعية إلى ثلاثة أهداف في مقدمتها، الأهداف قريبة المدى:كتنظيم وهيكلة الجمعية من كل الجوانب، التنسيق مع وبين الأشخاص المهتمين بتاريخ وتراث المنطقة، جمع أكبر قدر ممكن من المصاحف القديمة والمخطوطات والكتب وإعادة نسخها من جديد، مع إعادة تجليدها والاحتفاظ بنسخة منها، إنشاء مكتبة رقمية يجمع فيها كل كتاب أو مخطوط ذكرت فيه زمورة أو كتب من طرف أحد أبناء زمورة جمع كل ماله علاقة بالتراث المادي غير العلمي، ويندرج ضمن هذا كل إبداعات أبائنا وأجدادنا من وسائل العيش والعمل واللباس، والسعي لإقناع جهات رسمية وغير رسمية بتبني مشاريع وأفكار جمعيتنا وتمويل هذه المشاريع خدمة للمنطقة.

بالإضافة إلى أهداف متوسّطة المدى تتمثل في، إصدار مجلّة نصف سنوية تعنى بتراث المنطقة وتقاليدها وعمرانها، ويسند تحرير مقالاتها لنخبة من أبناء كل المنطقة من دكاترة وباحثين ورجال دين وإعلاميين

إصدار نشريات ومطويات بطريقة منتظمة وكذا مناسباتية لإبراز أهمية تراثنا المادي وغير المادي والسعي للحفاظ عليه.

السعي للحفاظ على المعالم التاريخية والأثرية في زمورة، وترميمها بطريقة حرفية من طرف مختصين في مجال الآثار والتراث.. وتشتمل هذه المعالم الأثرية على بيوت العلماء والكوليج وأضرحة الأولياء الصالحين، والمنابع المائية، الاهتمام بالتراث الشفوي والثقافة الشعبية للمنطقة ويندرج تحت هذا الأمر الحكايات الشعبية والأغاني والألغاز والأساطير وكلام الظرفاء في زمورة وما أكثرهم ومحاولة تدوينها، الانفتاح على الآخر في إقليم ولايتنا وخارجها للتعريف بتراثنا، تنظيم زيارات سياحية للهيئات الرسمية أو المؤسسات التعليمية من خارج زمورة بما يضمن الحفاظ على تقاليدنا وأعرافنا، وتنظيم زيارات لرجال الإعلام في المؤسسات الإعلامية المكتوبة والمسموعة والمرئية حتى تأخذ بلدتنا حقها من الاهتمام الإعلامي ، مع العمل على إنشاء ورشات عمل متعددة التخصصات بمساعدة أساتذة مختصين في الثقافة الشعبية والتاريخ وباحثين في تاريخ المنطقة والأعمال النسوية.

أما فيما يخص الأهداف البعيدة المدى فهي،تأسيس دار للتوثيق والأرشيف بزمورة بالحصول على أرشيف زمورة المرمي هنا وهناك في مراكز الأرشيف الجهوية والوطنية والعالمية، السعي لإقناع الجهات المسؤولية ولائيا ووطنيا بإنجاز حفريات في المناطق التي ثبت العثور فيها على آثار وأحجار تعود إلى العهد الروماني في أولاد جلال، وتيغرمين، وشرطيوة، وثالة وزرو، السعي لإقناع الجهات المسؤولة عن السياحة والتراث بالعمل على تصنيف بعض المعالم الأثرية والتراثية بزمورة ضمن التراث الوطني ولم لا العالمي، وتخصيص صندوق مالي لمساعدة وتشجيع وتحفيز الباحثين في تاريخ المنطقة ، تنظيم ملتقيات وندوات فكرية مرتبطة بالثقافة والتراث المحليين بمعايير محترفة وسمة وطنية.

فتح نوادي للمبدعين والشباب والصناعات اليدوية التقليدية وهو ما قد يساهم في إيجاد مناصب شغل، والعمل على تأسيس متحف يضمّ كل ماله علاقة بالتراث الزموري القديم والحديث، دون إغفال المعايير المعمول بها في هذا المجال.

وهل تتلقى الجمعية الدعم الكافي من قبل الجهات المعنية ؟

بالنسبة للدعم، في الحقيقة نحن لا ننتظر دعما من مصالح البلدية، لكي لا نكون عالة عليها، فبلديتنا فقيرة جدا، بل نسعى لأن نكون سببا مساعدا على تنمية المنطقة ككل، ولهذا سنعمل على توفير سيولة للجمعية من خلال الاتصال بشركات ورجال أعمال لمساعدتنا.. وفي هذا الصدد وعلى سبيل المثال لا الحصر، فهناك رجل أعمال من المنقطة تعهّد بان يتكفّل شخصيا بتكاليف نسخ وإعادة تجليد المصاحف القديمة والمخطوطات والكتب، مع العلم أن هذه العملية تستحق أموالا معتبرة جدا.. والرجل مشكور على ذلك.

ذكرت أن زمورة تملك الكثير من المعالم التاريخية والأثرية.حدثنا عن البعض منها ؟

تملك زمورة الكثير من المعالم، كبيوت العلماء، وأضرحة الأولياء الصالحين، ناهيك عن المنابع المائية التي تحتاج إلى ترميم واهتمام المختصين والخبراء لترميمها بطريقة علمية، بالإضافة إلى وجود مساجد عمّرت قرونا طويلة، كجامع أولاد داود، وجامع آورير بقرية تيزي أعالي زمورة، وجامع ابن الأرقط، وهذه الجوامع في الحقيقة تستحق أن تصنف ضمن التراث الوطني على الأقل.

ألا تعتقدون أن الحمل ثقيل عليكم كجمعية حديثة التأسيس؟

أهل زمورة بكافة قراها ومداشرها كلّفونا بحمل ثقيل، ويطلقون من خلالنا صرخة مدوّية لكل المسؤولين عن التنمية في بلادنا من مسؤولين محلّيين ومركزيين، بتسليط الضوء على هذه المنطقة التي أعطت الكثير لهذا الوطن، قديما وحديثا، وأن "يرحموا عزيز قوم ذل"، ومن منطلق أننا أبناء المنطقة وندرك قيمتها التاريخية خاصة في الثورة التحريرية المجيدة، فإننا نعتقد بأن بلدتنا لا تستحق هذا التهميش الذي تعاني منه منذ عقود.. وكمعلومة للتاريخ فإن الجنرال ديغول ألمح في زيارته إلى زمورة، بأن تقرير مصير الجزائريين بات وشيكا، وهو ما حدث بعد أسبوعين من تلك الزيارة في خطابه الشهير في 16 سبتمير 1959.

وفي الأخير أريد أن اذكر بشيء مهم هو التهميش الذي تعانيه المنطقة خاصة تنمويا، حيث لم يستفد شباب المنطقة من أي مشاريع نوعية تخدمهم فعلا، مع غياب تام لأي نوع من النشاطات الاقتصادية التي من شانها أن توفر مناصب شغل، حيث تعبتر المنطقة جبلية، ولا مجال للاستثمار بها سواء ببناء مصانع قوية أو مؤسسات صغيرة ومتوسطة.

الصدر